لعلّ النشوة والهيستيريا اللّتان احس ّ بهما كل مشجع برشلوني، بعد سبعة دقائق عجيبة تمكن خلالها الشاب سيرجيو روبيرتو من توقيع هدف التأهل بعد تمريرة طويلة من البرازيلي نيمار، أيقظ في قلوب المدريديين، فرحة الفوز بالعاشرة. فرحة لم تكن عادية بتاتاً، خصوصا ان فريق ريال مدريد كان خاسرا منذ الدقيق 36 من اللقاء امام أتلتيكوا، ولم يستطع ادراك التعادل في الوقت الاصلي رغم الاستحواذ والمحاولات المتتالية. نوستلجيا اللقاء الهبت مخيلتي، استعدت نفس الاحساس!! ألم الخسارة، جنون التعادل، هدف بيل الاول والثاني للريال في الأشواط الاضافية.. كل شيء اصدقائي. لمْ يُؤْمِن احد بما حدث!!
التوقيت يشير الى الدقيقة 80 من اللقاء، كيف نكون اقرب من أّيِّ وقت مضى الى اللقب العاشر ولن نحققه؟ كيف لا نفوز باللقب وقد أقْصينا دورتموند في الربع والبايرن في النصف النِّهائيين، ونواجه الآن أتلتيكوا مدريد التي طالما اِكتوينا بناره في البطولات المحلية، واليوم فرصتنا للإنتقام ورد الصاع بمليون صاع؟ كيف يضيع منا لقب كان حلما لأكثر من عقد، لقب كلّف خزائن النادي الملايين، لقب استعمله الرئيس الحالي للريال في الدعاية الانتخابية الى جانب كريستيانو رونالدو والبرازيلي كاكا؟ العاشرة التي من اجلها تعاقد النادي مع مورينهو بعد خماسيته التاريخية في نادي انتر ميلان، وخرج من دونها. جاء انشلوني كونه خبيرا في تلك البطولة، بعد الوصول الى نصف النهائي لثلاث مرات متتالية، اما الآن فنحن في النهائي والدقيقة 85، تعاقدنا مع بيل!! فاخترق دفاع الاتليتيك بسرعة لكن تسديدته كانت جانبية، وعندما تُضيع فستتلقى، چودين يسجل في الدقيقة 36 بعد خروج كارثي من كاسياس، اي لعنة عصفت بكم يا ملوك مدريد؟ أعندما يكتمل الفريق تأتي الضربة من الحارس الاسطوري؟ أسأُمجده وإن ضاع اللقب؟ لم تنتهي بعد هناك خمسة دقائق بدل ضائع!! كيف لم نتمكن من احراز هدف واحد طيلة اللقاء وتحدثني عن خمس دقائق. ركلة ركنية من ديماريا وهدف من راموس، أكانت رأسية؟ فقوتها والمسافة الفاصلة والدقة والحارس البلجيكي كورتوا يشيرون الى غير ذلك، أما التوقيت فيشير الى 92.50 لم تنتهي بعد، بركان في لشبونة والعاشرة للملوك.. اما رأسية راموس فقد انبعثت من القلب، آمن للدقيقة الاخيرة ان العاشرة لمدريد وكاسياس حاملها.
"لقد بذلت قصارى جهدي في كل بطولة، وكل ثانية في كل عام" راموس عقب المباراة، وأضاف " لقب العاشرة تعويض على كل ما تنازلت عنه في حياتي، يوم غد يمكنني ان اموت في سلام، لأنني خضت كل شيء تقريبا" وعن كاسياس يقول " دائما ما قلت انه اصبح شعارا للنادي، ولا يمكن ان نوصمه لخطأ واحد ارتكبه"، كيف تخسر لقاءاً وانت تمتلك لاعبا يؤمن ان للثانية دور مهم في الحياة، وأننا نستطيع تغيير النتيجة خلالها. يا لسعادة كاسياس بزميل في الفريق مثل راموس، فقد كان منقذا لتاريخه الممتد لأكثر من 15 سنة. إذن من هنا ابتدأت القصة، راموس آمن لوحده بقدرته على تغيير النتيجة ما بعد التسعين او قبلها بقليل.
المبارة لم تكُن إلا البداية يا راموس، فقد نصَّبتَ نفسك نجما للعديد من المباريات فأصبحت من المدافعين القلائل الذين يسجلون الثنائيات في مباراة واحدة، فلا تَمُتْ فلربما ستسجل ثلاثية ايضا، فقد اصبحتِ القضية لديك قضية عواطف وجوارحُ تمارس كرة القدم، وليست القضية بالتدريب وتقنيات ومؤهلات بدنية. مبارة نهائي دوري ابطال اوروبا من جديد عام 2016 كأن التاريخ يعيد نفسه، راموس اصبح سوبر مان مشجعي مدريد في المباريات المهمة او على الاقل تلك التي يغيب عنها بريق كريستيانو رونالدو. الكلُّ يعلم بصعوبة المباراة خصوصا ان الاتليتيك ستسعى للانتقام من النادي الملكي. في الدقيقة 15 سجل راموس الهدف الاول، هل فعلها؟ هل انهى اللقاء بهذه السرعة؟ يقول احدهم!!؟ لا، لم تنتهي بعد! فانت تواجه سيميوني وكتيبته، يمكن القول أن الريال تفادى السيناريو الصعب واللعب تحت الضغط، انتهى اللقاء بالتعادل، اتجه الفريقين الى ضربات الترجيح، وتمكّن جميع لاعبي ريال مدريد الخمسة من التسجيل؛ ابتداء من لوكاس فاسكيز الشاب وصولا الى سيرجيو راموس في الركلة الرابعة، وختمها رونالدو بالركلة الخامسة والفوز باللقب بعد اضاعة چودين للركلة الرابعة للاتليتيك.
لماذا ذكرت راموس في الركلة الرابعة دون غيرِه من اللاعبين؟ فهو لم يحسم اللقب ولم يضيع ايضا فلماذا تم استثنائه؟ هل تتذكرون ركلته الشهيرة امام بايرن ميونيخ؟ وما تلاها من قصص وحكايات وصور مفبركة على مواقع التواصل الاجتماعي، فنجد مثلا صور تتحدث عن العثور على الكرة في المريخ، او أن البحث جاري عنها في القمر، والمضحكة فعلا "صحن مليء بالشكولاتة اعتزم صاحبه اكله لكن كرة راموس اخترقت جميع الحواجز ووصلت الى المنزل واستقرت في الصحن لتحدث خرابا في المائدة وصاحبها" -الصورة في الملف- اما الصورة الاخيرة فلا تقل عن الاولى في سخريتها فقد اقحموا كرة راموس في المجموعة الشمسية الى جانب الكواكب الاخرى. ريال مدريد كان قريبا من تحقيق ثنائية الدوري المحلي ودوري الابطال، وراموس اهدرها. ليس السقوط عيبا، العيب فعلا ان ينتابك الاحباط ولا تحاول الصعود مجددا، راموس لم يستسلم بعد الضجة، لم يفقد الامل، وما صرح به بعد الفوز بالعاشرة لم يكن كلاما خشبيا اراد به البريق الاعلامي، بل حقيقة ويؤكدها بفوزه بأفضل اداء في امم اوروبا 2012 رفقة المنتخب الاسباني المتوج باللقب، وتغلب على لاعبين كبار امثال كسافي فيرنانديز وبوسكيتش... واكد لنا بالملموس ان الآلام العظيمة هي من تصنع الانجازات العظيمة شريطة الايمان بالقدرات التي نملكها والنهوض من جديد للعمل والمحاولة.
أما الآن فالكل يُؤمن براموس كحاسم اللقاءات والنهائيات، يُؤمن به خصومه قبل محبيه ومشجعيه، وعندما طرح المعلق الشهير عصام الشوالي سؤالا، مفادُه كيف يعلم المدافعين واللاعبين بقدرات اللاعب الخارقة امام المرمى ولا يقومون بحراسته ومنعه من الوصول الى الكرة. فشخصيا إجابتي واضحة؛ فمن جانب راموس فهو يتخيل الهدف والفرحة قبل تنفيد الركلة او الهجمة، اما من ناحية الآخرين فإيمانهم به وبقدرته على التسجيل، والايمان يجعل من المستحيلِ واقعاً ممكنا، الايمان أجبر الكرة على الاتجاه الى راموس. فيما يلي بعض الاهداف الحاسمة:
- مبارة السوبر الاوربي، اشبيلية متفوقة الى حدود الدقيقة التسعين، سجل اللاعب هدف التعادل، وحسمت الريال اللقب في الاشواط الاضافية.
- في كلاسيكو الارض؛ البارسا متفوقة بهدف وكانت قريبة من ادراك الهدف الثاني، راموس سجل بعد التسعين هدف التعادل.
- الريال امام ملقا سجل اللاعب هدفي الفوز.
- امام بيتيس احرز هدف الفوز.
- امام فياريال اقتنص اللاعب هدف التعادل.
- امام نابولي احرز ثنائية ساهمت في التأهل للربع النهائي.
أما زال الامر يتعلق بالصدفة او المهارة او حسن التمركز او اي مبرر آخر لأهداف راموس الحاسمة؟ اذن اليك المثال الاخير، لقاء الريال امام ديبورتيفو لكولونيا، فيديو مصور من المدرجات؛ تعادل الفريقين بهدف لمثله، الزمان يشير الى الدقيقة التسعين، أما المكان فمنطقة جزاء ديبورتيفو، المحاولة كانت ركلة ركنية سينفدها توني كروس. الجماهير خلف المرمى تهتف بشعار واحد "كروس سينفذ الركلة ورموس يسجل هدف الفوز" الجماهير تحمست للشعار وآمنت به، ورددته بكل احاسيسها وطاقاتها، الكل يستعد للفرحة بهدف الفوز، وفعلا مع تنفيد الركنية تحرك راموس من بعيد وترك خلفه الجميع ملتقيا للأعلى وسكن الكرة في الشباك. فاهتز ملعب البيرنابييو بالهدف. يقولون "فعلها راموس!" واقول "ليس لوحده فقد فعلها لوحده عندما آمن لوحده بقدراته، فكان يقوم بالدور الدفاعي اكثر من الهجومي، كان يسجل لكن في فترات متباعدة. اما الآن فالكل يؤمن بقدرات اللاعب، فأصبح هدّاف الفريق في العديد من المباريات". اذن انطلق يا سيرجيو روبيرتو واحذوا حذْو راموس، فقد الهبت ملعب الكامب نو بهدفك القاتل، قد يتطلب الأمر المزيد من الجهد والتعب، لكن تذكر تلك اللحظة التي غيرت مزاج واحاسيس الملايين فوق الأرض، وسيحدث معك كما يحدث مع راموس حاليا.
تعليقات
إرسال تعليق