في المقهى، بعد نهاية المباراة، انطلقت الأهازيج والأفراح بتأهل البارسا، كانت الأعْيُن والألسُن تتجه نحونا!! من نحن أصلا !؟؟ نحن، جمهور مدريد المشاغب الذي على قلته لم يترك نصف محاولة باريسية ليهلل بها ولا خطأً تحكيمياً يمر مرور الكرام. بعد هدف سيرجيو روبيرتو امتلكني هدوء لم استطع تفسيره، كأن ما حدث شيء عادي يتكرر كل يوم، كل ما استطعت قوله لأصدقائي من جمهور البارسا هي ثلاث عبارات "كم انتم محظوظين بهذا الفريق، انا سعيد لسعادتكم بالتأهل، شكرا للبارسا التي اقنعتنا ان المال ليس كل شيء".
ستة اجزاء تناولت في معظمها، ردود افعال العالم اتجاه الريمونتادا، واداء برشلونة الرهيب، ودور التحكيم في صبّ النتيجة لفريق ضد آخر، لم اتطرّق بعد للجانب الآخر من اللّقاء، قد أكون قد لَمَحت اليه بسرعة على شكل علامات استفهام او تعجب ازاء ما حصل. إنه نادي العاصمة باريس، النادي الذي استطاع النيل من برشلونة في مباراة الذّهاب، نتيجة كاسحة لم يتوقعها اشدّ متفائلي النادي ولا اشدّ متشائمي البارسا، فتحت الباب امام الكثير من المحللين والإعلاميين لتسليط الضوء على انجاز كتيبة المدرب إِمْرِي. فتصدّر لاعبي النادي الباريسي الصحف والمجلات والقنوات التليفزيونية، هدفيْ ديماريا أعادا له بريقه الغائب عنه منذ خروجه من النادي الملكي ريال مدريد، كافاني أخيراً استطاع ان يصنع لنفسه هبة وقيمة لم يستطع اظهارها ايام السلطان ابراهيمفتش. روبيو وبعض اللاعبين الذين تكوَّنوا في النادي أَعطوْ انطباعا جيدا عن المدرسة للعالم.
العاصمة الفرنسية عاشت ليلة بيضاء، لأن الفريق الخاسر ليس فريقا عاديا، بل هو برشلونة بأبرز لاعبيه، ميسي ونيمار وسواريز وانيستاً، ولم تَكُن النتيجة ايضا عادية، فلم يكن الفوز بهدف او اثنين، بل بأربعة دون مقابل. لمْ يتخيلواْ يوما وهم يحتفلون في ليلة باريس المضيئة، ان تصبح تلك النتيجة وصمة عار على النادي لسنوات، لم يتصورواْ يوما ان تلك الاهداف الاربعة لن تكون إلا وقوداً يُحرق قلوبهم بالستة. لم يتخيلواْ ان تلك الليلة البيضاء ستتحول الى ليلة سوداء قاتمة لا قمر ولا نجوم فيها في الإياب، الكل كان يُردِّد تلك الليلة كلمة "انتهت"، ايْ أَنَّ باريس سان جرمان تأهل الى الربع النهائي ولا داعي للعب مباراة العودة. والاكثر من ذلك وفي جو الفرحة العارمة يقول البعض ان الرحلة الى برشلونة وملعب الكامب نُو لن تكون اكثر من نزهة.
بالعودة الى تصريح روبيو بعد نهاية اللقاء، صرح أنَّ إلحاح المدرب على الرجوع للخلف سَرَّبَ إلينا أحاسيس تنذر بالسوء. فعلا مع انطلاقة المبارة، رأيت أشباه لاعبين، لو أمكنني إتهام أحد بتنويمهم مغناطيسّيا لفعلت ذلك، ففي الذهاب كانوا يتقنون التيكي تاكا في مناطقهم الدفاعية ولا يخشون فقدان الكرة أمام ميسي، فما بالك بوسط الميدان الذي تَفنّن ماتويدي و روبيو فيه، اَمّا الهجوم فدراكسلر وديماريا وكافاني فَعَلا كل شيء. الآن مع انطلاقة المباراة، اتفحص وجها شاحبا للمدافع البرازيلي تياغو سيلفا وهو الغائب عن الذهاب، ابحث عن الآخرين فأجدهم مُغمى عليهم، أجساد تتحرك فقط بلا حرارة. لو قَدَّمَ أحدهم او بعضٌ منهم مردوداً جيدا، لبررنا الهزيمة بتقصير اللاعبين الاخرين، امَّا ان ترى اللاعب الخبير يشبه المغمور والمخضرم يشبه الشاب، والملتحق بعد دفع 60 مليون يورو كالملتحق ب 10 مليون يورو، فالأمر أكبر من ذالك.
قد يكون المدرب سبب ما حصل، وإن لمْ يكن، فليس هناك من مسؤول غيره يستطيع ظَهْرُهُ حمل تلك الخطيئة التي وقعت. المدرب ايمري هو المسؤول عن الاهداف الستة، ليس هدفا او اثنين، إنما الاهداف جميعها!! عندما تزرع في لاعبيك كلّ ذاك الخوف! فانت المسؤول. عندما تغير في دفاعك بعد ان حافظ على نظافة شباكه في الذهاب ويتلقى ستة في الاياب! فانت المسؤول. عندما تترك لاعبيك يؤمنون أنَّ الهزيمة بخمسة مقابل واحد يُعدُّ امرا جيدا! لأنه يكفي للتأهل! فانت المسؤول. عندما تهمل الإعداد النفسي قبل البدني وانت في اكبر بطولة للأندية في العالم! فانت المسؤول. قد يقول البعض أنني تماديت في تحميله مسؤولية كل ما حدث، سأجيب بقصة وقعت لي بعد تلك الخسارة.
كنت أبحث في اليوتوب عن أَشهر المباريات المشابهة لمعجزة برشلونة، فأتار انتباهي عنوان "أجمل مبارة في تاريخ ريال مدريد" فتحت الفيديو من باب الفضول وليس من البحث عن معجزة، وجدت ان المباراة كانت تَهُمُّ إياب كأس السوبر الإسباني عام 2008 بين ريال مدريد وفالنسيا، مباراة الذهاب انتهت في ملعب الميستايا معقل فالنسيا ب 3-2 لصالح الاخير، امّا الايّاب فانطلق مشتعلا بإحراز فالنسيا هدفا آخر في الدقيقة 11 من اللقاء، لتصبح النتيجة الكاملة 4-2، الدقيقة 35 طُرِد لاعب وسط ريال مدريد الهولندي فان دير فارت، وبعشرة لاعبين تمكَّن الريال من إدراك التعادل، بل والتحكم في مجريات اللقاء، ما يفعله الهولندي روبين آنذاك يشبه ما قام به نيمار في المعجزة. الدقيقة 61 طُرِد النجم رود فان نيستروي، الريال يلعب بتسعة لاعبين، ولازال التعادل سيد الموقف، لم يستسلم النادي الملكي، توالت المحاولات، فأتت الاهداف تباعا، الثاني من راموس، الثالث من ديلا ريد، الرابع من هيجوايين، النتيجة 4-1 للريال وبتسعة لاعبين وفي ظرف وجيز. تمكن اللاعب موريانتس لاعب فالنسيا من تقليص الفارق وانتهت المباراة بنتيجة 4-2 للريال وفاز بالسوبر. قد يسأل البعض لماذا هذه المباراة بالضبط؟ لماذا تحاول اشراك ريال مدريد في المعجزة؟ جوابا مني، لم اقصد اشراك الريال في المعجزة! السر يَكْمُن في فالنسيا، وانا اُشاهد الفيديو، كأنني اُتابع لاعبي باريس سان جرمان من جديد، خصم منقوص من لاعبين يعتبران عمودان للفريق ولا تستطيع اقتناص ولو تعادل. السر في المدرب يا سادة يا كِرام!! مدرب باريس سان جرمان 2017 في ليلة الكامب نو هو نفسه مدرب فالنسيا 2008 في ليلة البيرنابييو.
ايمري لم يتعلم من لدغة مدريد 2008 فاستحق اللدغة الثانية من البارسا في 2017، فلربما سيصبح مدرباً عظيماً في المستقبل بعد اللدغتين، فقد منحه التاريخ أفضل دَرسيْنِ بِحوزته. درسان يشرحان له أنّ لا شيء مستحيل مع الإيمان والإرادة؛ فالنقص العددي والسقوط بالأربعة في الذهاب، ليست إلا مبادئ يُؤمِن بها من يُعِدُّ مسبقا مبررات خسارة فريقه.
تعليقات
إرسال تعليق